RSS

من مظاهر الفقه القديم

27 Jun

(نحو فقه جديد للأسرة)

في سعينا لتقديم مباديء لما يمكن أن يُطلَق عليه (الفكر الديني الجديد) نقدم تصوراً نعتقده الأكثر إنسانيةً وعدلاً وقرباً إلي مراد الله من عباده في كونه؛ وقلت (الديني) ولم أقل (الإسلامي) لأنه يمكن أن يأخذ به أصحاب العقائد الأخري مع المسلمين والمسلمات سواءاً بسواء ..

حين نتحدث عن (فقه الأسرة) في الفكر الجديد سنعرج -علي سبيل المقارنة- علي عيوب الفقه القديم لنكشف كيف أن سوء فهم الأقدمين لدين الله قد أثَّر تأثيراً سلبياً مباشراً علي دنيا الناس؛ هو فقه ذكوريٌ ظالم للمرأة بكل ما تحمله العبارة من معني؛ فالفقه الذي يشيّء المرأة ويحتقرها لدرجة أن يحدّد أن الاقتران بها هدفه (إطفاء نار الشهوة) ويسمّي العقد (عقد نكاح) ويطلق عليه عبارة (تأجير البضع) هو فقه بدائي بدوي مخجل ومشين؛ أخجل من مصارحة بناتي به ..

حدث في أحد الأفراح لصديقة (محجبة) وزوجها ملتح أن تم توزيع كتيبات فيها (رواية) عن عائشة أنه لو باستطاعتك أن تقلعي عينيكِ لتحسينهما وتجميلهما من أجل إرضاء الزوج ومتعتهفلا تتردّدي ! وأن عليكِ أن ترتدي ما يعجبه هو، ومما سمعناه من جداتنا أن زوجك هو جنتك ونارك، زوجك هو (باسبورك) للجنة؛ وطبعًا من أشهر الأحاديث روايتين منسوبتين لرسول الله يتمني في إحداهما لو يستطيع أن يوصي/يأمر المرأة أن تسجد لزوجها ويحذّرها في الأخري من أن تبيت وزوجها عنها غضبان -أي من تركها لفراشه او عدم استجابتها له- خوفًا من استمرار لعن الملائكة حتي تصبح !

ذلك الفقه أحاط المرأة بسياج محكم من المحرّمات والمنهيات والممنوعات والمكروهات يتعلق بخروجها وملابسها وشعرها وحواجبها وعطرها وعملها واختلاطها بالرجال وصوتها وقائمة لا تنتهي .. أو تنتهي ب(أنها لا تشمّ رائحة الجنة) !

فقه لا يمَلّ أصحابه من تكرار حقوقهم الأزلية في التعدّد (مثني وثلاث ورباع) ويتلذّذون بترديده علي أسماع زوجاتهم علي سبيل التحذير والتحفيز علي مزيد من الطاعة والخضوع والخنوع، وإلا الطرد من نعمته ورحمته وجنته والإتيان بأخري، ويتم الاستشهاد بالجزء (فانكحوا…..) من الآية 3 من سورة النساء مع الإغفال التام لأسلوب الشرط في الجزء الأول تعمّدًا أو جهلًا:

“وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا”

فقه يذكر بلا ذرة خجل حقوق (الفراش) للزوج لدرجة كراهة (الصوم التطوّعي) كره التحريم لانه يتعارض مع جهوزيتها لرغباته !

بل قد قرأنا ما ينصّ علي جواز معاقبتها بالضرب في حالة تأخّرها أو عدم حماستها للاستجابة له، فإن ماتت خلال ذلك، فلا شيء عليه لأنه كان (يؤدّبها) !

(كتاب الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع) الكتاب العمدة في الفقه الشافعي، والذي يدرس لأبناء الصف الثالث الثانوي بالأزهر،

ويقرّ جواز ضربها في حين يأمرنا الله بالإحسان إلي البهائم وحسن معاملتها وحتي الرحمة في طريقة ذبحها ..

فقه يذكر فيه أن رسول الله كان يلقي بعباءته علي من تحوز إعجابه من سبايا الغنائم ليسبق لحجزها لنفسه؛ وأن الصحابة كانوا يسارعون بمجرد انتهائهم من الغزوات والفتوحات إلي ضم النساء من الغنائم؛ كونهن إحدي أروع مكاسب الحروب ..

كما ذكرت بعض مراجع السيرة النبوية.

فقه يقرّ رواية (غريبة) منسوبة زوراً لرسول الله مفادها أنه الخير الأعظم للمرأة ألاّ تري رجلاً ولا يراها رجل؛ وأن الأفضل لها ألا تخرج من بيت أبيها إلا لبيت زوجها ثم إلي قبرها !

فقه يري في أصول أدبياته (تفسير ابن كثير) أن الحجاب الشرعي للمرأة هو إخفاء الجسم في جلباب/عباءة فضفاضة والوجه في نقاب أسود مسدل لا يُرَي منه إلا عيناً واحدة !

فقه يرسّخ في أذهان أصحابه عدم اجتماع رجل وامرأة إلا وثالثهما الشيطان؛ وكأن كل رجل ذئب مفترس وحيوان يتوق للمضاجعة، وكل امرأة فريسة تمنّعها دلال ورغبة مخفيّة، لكنها جاهزة ومستعدة للسقوط بين ذراعيه مع أول بادرة إعجاب؛ تحريم الاختلاط خلق في مجتمعات المسلمين حالات سيئة ومستعصية من الكبت والحرمان الاجتماعي جعل أفراده أقرب للمرضي النفسيين من الأصحّاء الأسوياء؛ ونعلم جميعاً ما يفعله أولئك الناس بمجرد أن يتمكنوا من الفرار من تلك القيود والأجواء ..

فقه زرع في تابعيه بذرة (تحريم وتجريم) فكرة الحب؛ فالزواج الأمثل هو زواج ال(صالونات) الزواج ب(الترشيح) تري الأم او الأخت أو غيرهما من الأهل من ترتضيها فترشّحها؛. وكأن الموضوع يخصّهم؛ أقصد موضوع (الاختيار) الذي ستنبني عليه تفاصيل حياته المستقبلية؛ دول ناس (ملتزمين) مش احسن ما يعرف واحدة من الشارع !

والحب ؟! لم ولا ولن تقوم البيوت علي الحب؛ بل علي (المودة والرحمة) كلمتان يتم ترديدهما ببغائياً في جميع أعراسنا واحتفالات الزواج لدينا دون أدني اهتمام بمعرفة معانيهما ومدلولاتهما؛ لا مودة دون حب؛ ولغوياً المودة هي درجة عميقة وقوية من الحب الخالص المصحوب بالرحمة التي تعني التنازل الطّوعي عما يسعد الزوج ويريحه في سبيل راحة زوجته وإسعادها ..

(مش مهم الحب .. هاييجي بعد الجواز) عبارة مستفزّة خادعة مضلّلة؛ يرضي الطرفان المخدوعان ويبدآن حياتهما بتمثيل الحب والعيش في الوهم في انتظار الحب الحقيقي اللي قالوا لهم انه جاي؛ وتتحوّل حياتهما لجحيم متواصل يخترعان له أعذاراً ومبرّرات (عشان الناس/عشان البيت/عشان الأولاد) يتمني كل واحد منهما الخلاص من الآخر؛ قليلون يمتلكون القدرة علي رفض ذلك، بينما يواصل الغالبية حياة مملّة سيئة، هي أقرب لتمثيلية سخيفة لشكل اجتماعي يرضي الأهل والناس !

والحقيقة أن الحب يفجّر ينابيع العطاء لدي المرأة؛ وواقع الحال أن (المرأة) هي جنة الرجل أو ناره وليس العكس .. والرجل الذي لا يتمكن من الدخول -ناهيك عن السّكني- في جنة امرأته، هو رجل لا يستحقها ولا ينبغي لها أن تزعج نفسها بالإبقاء علي حياتها معه ..

الأساس الأول للاقتران (بين الرجل والمرأة) في الفكر الجديد هو الحب، والثاني أو المصاحب له هو (الاحترام) ..

فلا معني لحياة زوجية ينقصها الاحترام؛ والحقيقة ان (لا معني) عبارة مؤدبة؛ هي معناها سيء وعواقبها وخيمة وقلّتها احسن .. أي احترام إذا كان كل همه بالقران هو المتعة والاستمتاع ؟! أي احترام وهو بيهددها بلعن الملائكة لها إن لم تستجب لداعي الفراش ؟! أي احترام وهو حافظ رواية (الدنيا متاع وخير متاعها زوجة صالحة) يعني نبيّه بيفهمه ان الست مجرد (متاع) زيها زي الترابيزة والكرسي؛ لا بد أن تؤدي الغرض منها وينبغي تسخيرها وإخضاعها كما سُخِّرت له الطبيعة والبهائم !

فقه ينص بل يفتخر بأن نساءه : (ناقصات عقل ودين) 

فقه يقرّ علي نقصها وعجزها وضرورة تقويمها (بدون كسرها) كونها خُلِقت من ضلع أعوج -حسب الرواية- وأعوج ما في الضلع (أعلاه) فإن ذهبت تقومه، كسرته ! وتفضّل أحدهم شارحاً في كتاب (خصائص الأنوثة) أنها ولأنها خلقت من (ضلعه) فحنينه إليها هو حنين (الكل) لمجرد فقدان (جزء) منه؛ أما حنينها هي إليه، فحنين الجزء للكل؛ الذي لا وجود له بسواه .. فهل تلك مفاهيم أو توجّهات تصلح لبناء أسر ومجتمعات ؟!

إن فكرة (دونية) المرأة تعتبًَر من أدبيات (الفقه الإسلامي القديم) ومن القواعد البديهية للثقافة العربية، هي فكرة راسخة رسوخ الجبال الرواسي لدي ذكور هذه الأمة المنكوبة بالحفاظ علي تدينها الموروث بأفكاره المقيتة التي تعمل كمعاول الهدم للعلاقات الإنسانية كافة؛ وأعرف بيوتاً وعائلات ضعفت أو تقطّعت ما بينهم من صلات من جرّاء الخوف من حرمة الاختلاط !

فكرة دونية المرأة في واقع الأمر لا يسعد بتبنّيها سوي كل ضعيف عاجز لديه من عقد النقص ما يأبي عليه الاعتراف أو القبول بمساواة المرأة له في العقلية والمكانة أو أحياناً بالتفوق عليه؛ هي فكرة تزعجه وتؤرّقه وهذا هو السر في أن الأمة تقبّلت وتلقّت فقه فقهائها وعلمائها وشيوخها بالقبول والاستحسان بل بال……..إجمااااااااع !  

والسؤال : هل نحن -من تكشّفت لنا عيوب وعوار الفقه الإسلامي القديم القائم علي تراث بشري أصبح يبعدنا عنه ملايين السنين الضوئية فهمًا وفكرًا وثقافةً وأسلوب حياة- هل في وسعنا تقديم مباديء وأفكار تعكس تصوّرًا أكثر حداثة وفهمًا أقرب لعصرنا هذا بعيدًا عن فقه الموتي الذين فهموا الدين بمستوياتهم المعرفية والإدراكية التي واكبت ما عاشوه من أزمان وما عاصروه من عادات وتقاليد رثة وحالة إجتماعية متردية ناجمة عن بيئات تغلب عليها البدائية والبداوة ،، هل نحن قادرون علي تقديم رؤية يقبلها الناس وتعيش بينهم كما كتب لذلك الفقه القديم أن يستمر ويكتب له الخلود طوال ما يقارب الخمسة عشر قرن من عمر الزمان ؟!

في لمحة سريعة لكتاب الله نلقي الضوء علي النقاط التالية:

إن آيات كتاب الله لم تفرّق -في مواضع عدة- بين الذكر والأنثي ( لأن بعضهم من بعض), فقد خلقهم من نفس واحدة؛ يقول سبحانه:

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا* النساء 1

ويقول:

“مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” النحل 97

الله الذي أتبع الصّائمين بالصّائمات والّذاكرين بالذّاكرات والمتصدّقين بالمتصدّقات ..

يقول تعالي:

إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا* الأحزاب 35

إذن هم وهنّ عند الله سواء، وإلاّ كان خفّف التكاليف الشرعية عنهن ، طالما مهمتهنّ الأساسية التلذّذ والإمتاع !

ثم أليس الله هو القائل :” لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة “

فهل ثبت لكم في أحد مروياتكم الوفيرة، ان رسول الله ضرب إحدي زوجاته، أو حتي من يخدمنه أو عنّفهن أو أساء معاملتهن ؟!

ما ورد عن السيدة عائشة عنه صلي الله عليه وسلم حين غضبه أنها كانت تري (تغيُّرًا) في وجهه؛ مجرد تغيُّر يقلقها ويجعلها تحرص علي نيل رضاه، فأين هذا من معاملة من يتشدقون بحب النبي والاقتداء به والحفاظ علي سنته، لأزواجهم وآل بيوتهم ؟!

أما فهم موضوع القوامة علي أنه رئاسة وتحكم وسيطرة؛ فهو من موروثات فقه ذكوري بدائي يري الرجل كائنًا معقدًا ناقص الشخصية والعقلية، يهدّده ويقلقه كيان زوجته وقوة شخصيتها؛ وينشغل بمحاولة السيطرة عليها والتحكم فيها بتخويفها من التمرد علي أوامره وسوقها بعصا الطاعة العمياء؛ وإلا فغضبه من غضب رب العالمين الذي لن يجعلها تشم رائحة الجنة إذا حرمها زوجها من رضاه !

نفهم القوامة علي أنها مسئولية ورعاية وحسن عشرة وقدرة أودعها الله قلب الرجل علي احتواء زوجته والاهتمام بها وإغداق الحب والحنان عليها بما وهبه الله واختصّه من مزايا وقدرات، تفجّر في زوجته ينبوع العطاء الذي يجعل من كل منهما قرة عين لصاحبه.

في هذا الإطار من المسئولية المشتركة والحب والود المتبادل والرحمة التي يسبغها كل منهما علي الآخر كونهما (نفس واحدة) نستطيع تخيُّل مباديء فقه متجدد يحسّن نوعية حياتهما معًا دون قهر أو ظلم أو عدوان من أي منهما تجاه الآخر؛ فهل يعقل أن تسيء نفسٌ إلي نفسها ؟!

نتخيل هذا الفقه أيضًا في إطار ما أطلقه رب العالمين علي نفسه العَليّة من صفات الجمال والجلال؛ فالله الرحمن الرحيم الودود اللطيف الخبير العليم الحكيم الكريم العدل لا يرضيه سوي الصالح من الأعمال، والصلاح هو مراعاة ليس فقط مصالح الآخرين بل أيضًا مشاعرهم؛ وما تعارض مع هذا المفهوم، لا يمت لدين الله بصلة ولو رواه جيوش الثقات العدول، ولو ظل الأزهر يدرسه ألف عام من عمر البشر يحتكر خلالهم الحديث بوصفه (منارة الإسلام الوسطي) الذي ينشر قيم العدل والخير والحق بين الناس، بل ويعلم الناس كيف أكد الإسلام علي كل ما من شأنه إعلاء شأن المرأة وصون كرامتها !

ولله الأمر من قبل ومن بعد

 
Leave a comment

Posted by on June 27, 2016 in Miscellaneous

 

Leave a comment